فصل: تفسير الآيات (7- 9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (7- 9):

{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)}
{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ} أي: تعلن به {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} قال الحسن: {السر}: ما أسر الرجل إلى غيره، {وأخفى} من ذلك: ما أسر من نفسه.
وعن ابن عباس، وسعيد بن جبير: {السر} ما تسر في نفسك {وأخفى} من السر: ما يلقيه الله عز وجل في قلبك من بعد، ولا تعلم أنك ستحدث به نفسك، لأنك تعلم ما تسر به اليوم ولا تعلم ما تسر به غدا، والله يعلم ما أسررت اليوم وما تسر به غدا.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {السر}: ما أسر ابن آدم في نفسه، {وأخفى} ما خفي عليه مما هو فاعله قبل أن يعلمه.
وقال مجاهد: {السر} العمل الذي تسرون من الناس، {وأخفى}: الوسوسة.
وقيل: {السر}: هو العزيمة {وأخفى}: ما يخطر على القلب ولم يعزم عليه.
وقال زيد بن أسلم: {يعلم السر وأخفى}: أي يعلم أسرار العباد، وأخفى سره من عباده، فلا يعلمه أحد. ثم وحد نفسه، فقال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} قوله عز وجل: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} أي: قد أتاك، استفهام بمعنى التقرير.

.تفسير الآيات (10- 11):

{إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11)}
{إِذْ رَأَى نَارًا} وذلك أن موسى استأذن شعيبا في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخته، فأذن له فخرج بأهله وماله، وكانت أيام الشتاء، وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام، وامرأته في سقمها، لا تدري أليلا أم نهارا. فسار في البرية غير عارف بطرقها، فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد، وأخذ امرأته الطلق، فقدح زنده فلم يوره.
وقيل: إن موسى كان رجلا غيورا فكان يصحب الرفقة بالليل ويفارقهم بالنهار، لئلا ترى امرأته، فأخطأ مرة الطريق في ليلة مظلمة شاتية، لما أراد الله عز وجل من كرامته، فجعل يقدح الزند فلا يوري، فأبصر نارا من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور، {فَقَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا} أقيموا، قرأ حمزة بضم الهاء هاهنا وفي القصص، {إِنِّي آنَسْتُ} أي: أبصرت، {نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} شعلة من نار، والقبس قطعة من النار تأخذها في طرف عمود من معظم النار، {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} أي: أجد عند النار من يدلني على الطريق. {فَلَمَّا أَتَاهَا} رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها، أطافت بها نار بيضاء تتقد كأضوإ ما يكون، فلا ضوء النار يغير خضرة الشجرة، ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار.
قال ابن مسعود: كانت الشجرة سمرة خضراء.
وقال قتادة، ومقاتل، والكلبي: كانت من العوسج.
وقال وهب: كانت من العليق.
وقيل: كانت شجرة العناب، روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال أهل التفسير: لم يكن الذي رآه موسى نارا بل كان نورا، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا.
وقال أكثر المفسرين: إنه نور الرب عز وجل، وهو قول ابن عباس، وعكرمة، وغيرهما.
وقال سعيد بن جبير: هي النار بعينها، وهي إحدى حجب الله تعالى، يدل عليه: ما روينا عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».
وفي القصة أن موسى أخذ شيئا من الحشيش اليابس وقصد الشجرة وكان كلما دنا نأت منه النار، وإذا نأى دنت، فوقف متحيرا، وسمع تسبيح الملائكة، وألقيت عليه السكينة.

.تفسير الآية رقم (12):

{إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)}
{نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} قرأ أبو جعفر، وابن كثير، وأبو عمرو، {أني} بفتح الألف، على معنى: نودي بأني. وقرأ الآخرون بكسر الألف، أي: نودي، فقيل: إني أنا ربك.
قال وهب نودي من الشجرة، فقيل: يا موسى، فأجاب سريعا لا يدري من دعاه، فقال: إني أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ قال: أنا فوقك ومعك، وأمامك وخلفك، وأقرب إليك من نفسك، فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله، فأيقن به.
قوله عز وجل: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} وكان السبب فيه ما روى عن ابن مسعود مرفوعا في قوله: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} قال: كانتا من جلد حمار ميت. ويروى غير مدبوغ.
وقال عكرمة ومجاهد: أمر بخلع النعلين ليباشر بقدمه تراب الأرض المقدسة، فيناله بركتها لأنها قدست مرتين، فخلعهما موسى وألقاهما من وراء الوادي.
{إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ} أي المطهر، {طُوًى} وطوى اسم الوادي، وقرأ أهل الكوفة والشام: {طوى} بالتنوين هاهنا وفي سورة النازعات، وقرأ الآخرون بلا تنوين لأنه معدول عن طاو فلما كان معدولا عن وجهه كان مصروفا عن إعرابه، مثل عمر، وزفر، وقال الضحاك: {طوى}: واد مستدير عميق مثل الطوى في استدارته.

.تفسير الآيات (13- 15):

{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)}
{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} اصطفيتك برسالاتي، قرأ حمزة: {وأنا} مشددة النون، {اخترناك} على التعظيم. {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} إليك.: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي} ولا تعبد غيري، {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} قال مجاهد: أقم الصلاة لتذكرني فيها، وقال مجاهد: إذا تركت الصلاة ثم ذكرتها، فأقمها.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحين أخبرنا أبو عمرو بكر بن محمد المزني، أخبرنا أبو بكر بن محمد بن عبد الله الحفيد، أخبرنا الحسين بن الفضل البجلي، أخبرنا عفان، أخبرنا قتادة عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك» ثم قال: سمعته يقول بعد ذلك: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} قيل معناه إن الساعة آتية أخفيها. و{أكاد} صلة. وأكثر المفسرين قالوا: معناه: أكاد أخفيها من نفسي، وكذلك في مصحف أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود: أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها مخلوق.
وفي بعض القراءات: فكيف أظهرها لكم. وذكر ذلك على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء يقولون: كتمت سرك من نفسي، أي: أخفيته غاية الإخفاء، والله عز اسمه لا يخفى عليه شيء.
وقال الأخفش: أكاد: أي أريد، ومعنى الآية: أن الساعة آتية أريد أخفيها.
والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف، لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت.
وقرأ الحسن بفتح الألف أي أظهرها، يقال: خفيت الشيء: إذا أظهرته، وأخفيته: إذا سترته.
قوله تعالى: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} أي بما تعمل من خير وشر.

.تفسير الآيات (16- 18):

{فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)}
{فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا} فلا يصرفنك عن الإيمان بالساعة، {مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} مراده خالف أمر الله {فَتَرْدَى} أي: فتهلك. قوله عز وجل: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} سؤال تقرير، والحكمة في هذا السؤال: تنبيهه وتوقيفه على أنها عصا حتى إذا قلبها حية علم أنه معجزة عظيمة. وهذا على عادة العرب، يقول الرجل لغيره: هل تعرف هذا؟ وهو لا يشك أنه يعرفه، ويريد أن ينضم إقراره بلسانه إلى معرفته بقلبه. {قَالَ هِيَ عَصَايَ} قيل: وكانت لها شعبتان، وفي أسفلها سنان، ولها محجن. قال مقاتل: اسمها نبعة.
{أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} أعتمد عليها إذا مشيت وإذا أعييت وعند الوثبة، {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} أضرب بها الشجرة اليابسة ليسقط ورقها فترعاه الغنم.
وقرأ عكرمة {وأهس} بالسين غير المعجمة، أي: أزجر بها الغنم، والهس: زجر الغنم.
{وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} حاجات ومنافع أخرى، جمع مأربة بفتح الراء وضمها، ولم يقل: أخر لرءوس الآي. وأراد بالمآرب: ما يستعمل فيه العصا في السفر، وكان يحمل بها الزاد ويشد بها الحبل فيستقي الماء من البئر، ويقتل بها الحيات، ويحارب بها السباع، ويستظل بها إذا قعد وغير ذلك.
وروى عن ابن عباس: أن موسى كان يحمل عليها زاده وسقاءه، فجعلت متماشيه وتحدثه، وكان يضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل يومه، ويركزها فيخرج الماء، فإذا رفعها ذهب الماء، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فتغصنت غصن الشجرة وأورقت وأثمرت، وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كالدلو حتى يستقي، وكانت تضيء بالليل بمنزلة السراج، وإذا ظهر له عدو كانت تحارب وتناضل عنه.

.تفسير الآيات (19- 20):

{قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)}
{قَالَ} الله تعالى: {أَلْقِهَا يَا مُوسَى} انبذها، قال وهب: ظن موسى أنه يقول ارفضها. {فَأَلْقَاهَا} على وجه الرفض ثم حانت منه نظرة، {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ} صفراء من أعظم ما يكون من الحيات، {تَسْعَى} تمشي بسرعة على بطنها وقال في موضع آخر: {كأنها جان} [النمل- 10] وهي الحية الصغيرة الخفيفة الجسم، وقال في موضع: {ثعبان}، وهو أكبر ما يكون من الحيات.
فأما الحية: فإنها تجمع الصغير والكبير والذكر والأنثى. وقيل: الجان: عبارة عن ابتداء حالها، فإنها كانت حية على قدر العصا، ثم كانت تتورم وتنتفخ حتى صارت ثعبانا، والثعبان: عبارة عن انتهاء حالها.
وقيل: إنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان.
قال محمد بن إسحاق: نظر موسى فإذا العصا حية من أعظم ما يكون من الحيات صارت شعبتاها شدقين لها، والمحجن عنقا وعرفا، تهتز كالنيازك، وعيناها تتقدان كالنار تمر بالصخرة العظيمة مثل الخلفة من الإبل، فتلقمها وتقصف الشجرة العظيمة بأنيابها، ويسمع لأسنانها صريف عظيم. فلما عاين ذلك موسى ولى مدبرا وهرب، ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه، ثم نودي: أن يا موسى أقبل وارجع حيث كنت، فرجع وهو شديد الخوف.

.تفسير الآيات (21- 25):

{قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25)}
{قَالَ خُذْهَا} بيمينك، {وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولَى} هيئتها الأولى، أي: نردها عصا كما كانت، وكان على موسى مدرعة من صوف قد خلها بعيدان، فلما قال الله تعالى: خذها، لف طرف المدرعة على يده، فأمره الله تعالى أن يكشف يده فكشف.
وذكر بعضهم: أنه لما لف كم المدرعة على يده قال له ملك: أرأيت لو أذن الله بما تحاذره أكانت المدرعة تغني عنك شيئا؟ قال: لا ولكني ضعيف، ومن ضعف خلقت، فكشف عن يده ثم وضعها في فم الحية فإذا هي عصا كما كانت، ويده في شعبتها في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ.
قال المفسرون: أراد الله عز وجل أن يري موسى ما أعطاه من الآية التي لا يقدر عليها مخلوق لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون.
وقوله: {سِيرَتَهَا الأولَى} نصب بحذف إلى، يريد: إلى سيرتها الأولى. قوله تعالى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} أي: إبطك، قال مجاهد: تحت عضدك، وجناح الإنسان عضده إلى أصل إبطه. {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ} نيرة مشرقة، {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} من غير عيب والسوء هاهنا بمعنى البرص. قال ابن عباس: كان ليده نور ساطع يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر، {آيَةً أُخْرَى} أي: دلالة أخرى على صدقك سوى العصا. {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} ولم يقل الكبر لرءوس الآي. وقيل: فيه إضمار، معناه: لنريك من آياتنا الكبرى، دليله قول ابن عباس: كانت يد موسى أكبر آياته. قال تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} أي: جاوز الحد في العصيان والتمرد، فادعه إلى عبادتي. {قَالَ} موسى: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} وسعه للحق، قال ابن عباس: يريد حتى لا أخاف غيرك، وذلك أن موسى كان يخاف فرعون خوفا شديدا لشدة شوكته وكثرة جنوده، وكان يضيق صدرا بما كلف من مقاومة فرعون وحده، فسأل الله أن يوسع قلبه للحق حتى يعلم أن أحدا لا يقدر على مضرته إلا بإذن الله، وإذا علم ذلك لم يخف فرعون وشدة شوكته وكثرة جنوده.

.تفسير الآيات (26- 32):

{وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)}
{وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} أي: سهل علي ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون. {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} وذلك أن موسى كان في حجر فرعون ذات يوم في صغره، فلطم فرعون لطمة وأخذ بلحيته، فقال فرعون لآسية امرأته: إن هذا عدوي وأراد أن يقتله، فقالت آسية: إنه صبي لا يعقل ولا يميز. وفي رواية أن أم موسى لما فطمته ردته، فنشأ موسى في حجر فرعون وامرأته آسية يربيانه، واتخذاه ولدا، فبينما هو يلعب يوما بين يدي فرعون وبيده قضيب يلعب به إذ رفع القضيب فضرب به رأس فرعون، فغضب فرعون وتطير بضربه، حتى هم بقتله، فقالت آسية: أيها الملك إنه صغير لا يعقل فجربه إن شئت، وجاءت بطشتين: في أحدهما الجمر، وفي الآخر الجواهر، فوضعتهما بين يدي موسى فأراد أن يأخذ الجواهر، فأخذ جبريل بيد موسى فوضعها على النار فأخذ جمرة فوضعها في فمه فاحترق لسانه وصارت عليه عقدة. {يَفْقَهُوا قَوْلِي} يقول: احلل العقدة كي يفقهوا كلامي. {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا} معينا وظهيرا، {مِنْ أَهْلِي} والوزير من يوازرك ويعينك ويتحمل عنك بعض ثقل عملك، ثم بين من هو فقال: {هَارُونَ أَخِي} وكان هارون أكبر من موسى بأربع سنين، وكان أفصح منه لسانا وأجمل وأوسم، وأبيض اللون، وكان موسى آدم أقنى جعدا. {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} قو به ظهري. {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} أي: في النبوة وتبليغ الرسالة، وقرأ ابن عامر {أشدد} بفتح الألف {وأشركه} بضمها على الجواب، حكاية عن موسى، أي: أفعل ذلك، وقرأ الآخرون على الدعاء.
والمسألة، عطفا على ما تقدم من قوله: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}.